كيف أكون صادقاً في علاقتي مع الله ومع الناس ؟ ما هي مكانة الصدق
في الإسلام ؟
الجواب :
الصدق من أجلّ الأخلاق وأعظمها، وهو منبع كثير من الفضائل الخلقية حيث يتشعب منه الأمانة والعفة
والوفاء والشجاعة وغيرها، وهو غير قاصر على صدق القول بل يشمل صدق الفعل والحال، كما قال المحاسبي:" الصدق في ثلاثة أشياء لا يتم إلا بها صدق القلب بالإيمان تحقيقاً، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام" .
وصدق الحال أن يتطابق ما بين ظاهر المرء وباطنه، فلا يكون مرائياً أو متظاهراً بما ليس حقيقة واقعة فقد قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم - :" المتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور".
وصدق الفعل هو مطابقة فعل الإنسان لقوله ، فإن وعد وفى، وإن استعد لأمر أمضاه.
وكذب الفعل أشنع من كذب القول لأنه يظهر فيه القصد والعمد بشدة كما فعل إخوة يوسف { وجاءوا على قميصه بدم كذب }.وقد وردت مخالفة الفعل للقول في معرض التحذير والذم:{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}.
وصدق القول هو الأشهر والأظهر ، فكل قول خالف الحقيقة فهو كذب { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} .
والصدق له مكانة عظيمة في الإسلام فبه " تميز أهل النفاق من أهل الإيمان ، وسكان الجنان من أهل النيران ، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه ، من صال به لم ترد صولته ، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال" (تهذيب مدارج السالكين ص32).
وقد أمر الله به المؤمنين فقال :{ يا أيها الذين اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }، ووعدهم بأجزل المثوبة عليه فقال:{ ليجزي الله الصادقين بصدقهم } ، وبيّن لهم أن عاقبته في الدنيا خير :{ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم }، ونوه بأثره في الآخرة فقال :{ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم }.
والصدق هو الخلق الذي اتصف به الرسول – صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته حتى لُقِب بالصادق الأمين ، وقد أوضح - عليه الصلاة والسلام - آثار كل من الصدق والكذب النفسية فقال:" الصدق طمأنينة والكذب ريبة " رواه الترمذي، فالصادق مطمئن النفس منشرح الصدر عالم بأنه أخبر بالحق ونطق بالصدق فلا يخشى أن ينكشف شيء على خلاف ما قاله ، وعنده توافق بين ظاهره وباطنه فلا تناقض ولا تعارض، بينما الكذب يبقي صاحبه في شك وحيرة واضطراب فلا هو مطمئن ولا متوافق مع نفسه لأنه يعلم أنه قال أو فعل خلاف الحق، ولا هو مرتاح في تعامله مع الآخرين، لخوفه أن ينكشف أو يفتضح أمره ، وإضافة لذلك بيّن - عليه الصلاة والسلام - مآل كل منهما فقال
إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه .
كما بيّن أثرهما في التعامل بين الناس فقال شأن المتبايعين
فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) متفق عليه .
ويمكننا جواباً لسؤال السائل القول أن الصدق مع الله - عز وجل - ينتظم في عدة خصال عظيمة ومهمة كالإخلاص لله - سبحانه وتعالى - ، والمراقبة له - جل وعلا - ، والحياء منه - سبحانه وتعالى - ، فكل ذلك من فروع ومعاني الصدق مع الله - سبحانه وتعالى - ؛ فإن أردت أن تكون صادقاً مع الله فجرِّد له الإخلاص حتى لا يكون لك مقصود سواه، ولا مبتغى إلا رضاه، وحتى لا تلتفت إلى غيره، ولا تطلب من الناس جزاءً ولا شكوراً، ولا تنتظر منهم ثناءً ولا سروراً، فأوكد همك وأعظم شغلك إنفاذ أمره ، والتعرض لرحمته ، وابتغاء وجهه ، وذلك يصاحبه تعظيم المراقبة له واستشعارها في كل حركة وسكنة ونطق وسكوت، والحياء يقترن بذلك كله إذ تستحي أن تخالف وهو يعلم ، وأن ترائي وهو عالم بالسرائر ومكنونات الضمائر .
وأما الصدق مع الناس عموماً والمقربين خصوصاً فهو في غاية الأهمية إذ به تحصل الطمأنينة، وتُبنى الثقة، والصدق معهم يكون بما يلي :
1- صدق الحال بعدم المخادعة والمخاتلة بالمظاهر الكاذبة والأحوال الزائفة بل كن معهم – وخاصة أنهم مقربون منك – كما أنت على حقيقتك في بساطتك، وبحسب قدرتك وإمكانية.
2- صدق القول فلا تروج عليهم كذباً، ولا تنشر بينهم شائعة، بل أصدقهم القول، وتحرّ الصواب فيما تخبرهم به، وتثبت فيما تنقله إليهم ولا تكن كحاطب ليل؛ فإن المصطفى – صلى الله عليه وسلم - قال: كفى المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"، فلا تكن بوقاً ينقل الكلام بلا بصيرة ، ولا أناة، ولا تكثر من القول فيما لا نفع فيه .
3- صدق النصح والإخلاص لهم وذلك بأن تحرص على تحصيل مصالحهم وجلبها لهم، وأن تعمل على تعطيل مفاسدهم وتدفعها عنهم ، فكن لهم أصدق من يَدّلهم على الخير ، ويكشف لهم الشر ؛ فإنهم أقرب إليك ، وأدنى منك وأحب عندك ، فاصدقهم فيما ينفعهم، وكن معهم فيما فيه الخير